السلام عليكم
معنا اليوم فنان راحل مصرى اصيل من زمن الفن الجميل الذى نسيناة
زكريا الحجاوى
وُلد زكريا عبد الرحمن الحجاوي في الرابع من يونيو عام 1915 بمدينة المطرية بمحافظة الدقهلية أحد أهم معاقل الإبداع الفني علي مستوي هذا الإقليم ومصر كلها .
التحق بالمدرسة الإبتدائية فكان الأول علي مستوي مديرية الدقهلية بأسرها مما جعل ملك البلاد وقتها فؤاد الأول لأن يمنحه ساعة يد ثمينة ومبلغاً من المال قدره أربعين من الجنيهات الذهبية وانتقل ليلتحق بمدرسة الصنائع ببورسعيد وأخذته الحماسة أيام المقاومة وشارك في المظاهرات ..
التحق زكريا الحجاوي بالمدرسة البحرية في السويس ، وفيها ظهر ميله الشديد لدراسة المواد الهندسية فالتحق بمدرسة الفنون والصنائع الملكية بالقاهرة .
كان زكريا الحجاوي مدمناً علي القراءة ، ونشر أولي قصصه القصيرة بعنوان " محاكمة قاع النهر " المنشورة عام 1948 في مجلة الغد والتي ضمها في المجموعة القصصية " نهر البنفسج " وفيها تجلت موهبة زكريا الحجاوي في الكتابة حيث ابتكر أسلوبا إبداعياً مغايرا عما هو معروف وقتها مما جعل الكاتب الكبير يوسف إدريس لأن يصف كتابات زكريا الحجاوي وقتها بالريادة في التبشير بالواقعية في الكتابة القصصية ..
كما أصدر الحجاوي مسرحية بيجماليون عام 1946م والتي استوحي أحداثها من التراث اليوناني وقد سبق بذلك توفيق الحكيم ، ثم أصدر مسرحية ملك ضد شعب قبيل ثورة 1952م.
وقد لعب الفنان زكريا الحجاوي دوراً هاماً في بعث هذا الفن من رماده فقدم في خلال سنوات الخمسينيات من القرن الماضي عصارة فكره ودأبه مثل ملحمة أيوب المصري ورائعة أدهم الشرقاوي وكيد النسا وملاعيب شيحاً وسعد اليتيم وغيرها ، زظلت تلك الأعمال في ذاكرة الناس ترددهاألسنة كل طبقات الشعب المصري ، خاطب فيها الحجاوي وجداناتهم ومشاعرهم وحبب إليهم هذا العالم الخصب بما فيه من عفوية وجمال وعذوبة ومعان سامية ..
وقد حفلت هذه الأعمال بأغنيات وألحان شعبية اختلطت بوجدان الشعب المصري علي امتداد الأرض الطيبة من أقصاها لأقصاها ، وجمع من حوله حشداً من المطربين الشعبيين الذين اكتشفهم في خلال جولاته في كافة الأصقاع المصرية وفي أفراح القري وقدم للفن الشعبي السيدة خضرة محمد خضر التي ذاع صيتها في هذا اللون من الغناء في سبعينيات القرن الماضي كما اكتشف المطرب الشعبي محمد طه صاحب اللون الفريد في الغناء الشعبي المصري ..
وفجأة ودون مقدمات رحل زكريا الحجاوي إلي الكويت حيث مات هناك ...
ربما لا يعرف أكثر القارئين عن هذا الرجل بأنه منذ سنوات عمره الأولي بدأ زعيماً للطلاب في مدرسة الفنون والصنائع وهي للعلم مدرسة لا يلتحق بها سوي الطلاب المتفوقين الذين حصلوا علي أعلي الدرجات من طلاب المدارس الصناعية ليتلقوا فيها الدراسة علي مدي ثلاث سنوات ليتخرجوا من بعدها صناعاً مهرة أو يعملون بوظيفة مهندس مساعد ..
قاد زكريا الحجاوي اضراباً عنيفاً علي رأس طلاب المدارس عام 1937م احتجاجاً علي اتجاه وزارة المعارف ـ التربية والتعليم حالياً ـ بتعيين هؤلاء الخريجين علي الدرجة الثامنة ، وانتهي الإضراب بفصل الطالب النجيب ومجموعته التي ضمت 16 طالباً ، ولكن زكريا الحجاوي ورفاقه سرعان ما عادوا لمقاعد الدراسة فحصلوا علي شهادة الدبلوم ..
إلا أن الرجل العظيم لم يعمل بتلك الشهادة ، ولكنه كان قد صقل موهبته وبرزت قدراته ونبغ في عالمه الإبداعي كصانع ماهر في مجال الإبداع الفني ..
ويعد زكريا الحجاوي كما سبق لنا القول أحد أبرز وأهم رواد الفن الشعبي في مصر، حيث تميز بشكل خاص في فن سرد السير الشعبية، واستطاع مزج هذا الفن بالبيئة المصرية من خلال تقديم شكل درامي جديد بالإذاعة المصرية.
" ارتبط زكريا الحجاوي بالزعيم أنور السادات ونشأت بينهما صداقة كبيرة فقد كان السادات مغرماً وقتها بالتمثيل وفي اللقاء الأول الذي جمع بينهما رآه الحجاوي منهمكاً في قراءة إحدي روايات الجيب ، وبدات الصداقة بين الرجلين وحين تورط السادات في قضية التجسس مع الألمان لم يجد من يساعده سوي معاون المستشفي محمد علي ماهر " المخرج الإذاعي بعدها والذي كان يقدم برنامجاً رمضانياً بعنون أحسن القصص " وكذلك الدكتور ياسين عبد الغفار الذي صار بعد ضلك طبيباً خاصاً للفنان عبد الحليم حافظ وكان صديقاً للحجاوي وقاموا بتهريب السادات في ملابس ممرض واستقبله الحجاوي وابن شقيقه عزت الحجاوي في المطرية دقهلية واستضافاه في منزلهما وظل السادات يذكر كثيراً صينية العشاء التي قدمت له في الكثير من أحاديثه ".
يعتبر زكريا الحجاوي مكتشف العديد من الفنانين الشعبيين وهو صاحب فكرة مسرح السامر والثقافة الجماهيرية، ويعتبر كذلك من رواد الكتابة الإذاعية، ورائد في تقديم السير الشعبية التي أصبحت بفضله من أشكال الفن الإذاعي.
وقد بلغـت أعمـاله الإذاعيـة 60 ،
كما قدم للتليفزيون العديد من الأعمال منها:
سيد درويش ـ أدهم الشرقاوي .
وقدم للسينما العديد من السيناريوهات وحوارات الأفلام منها: أحبك يا حسن.
له دراسات علمية نشرها في مجلة الرسالة الجديدة عن الفن الشعبي المصري حيث تعتبر أولي الدراسات العلمية في هذا المجال، و منها "قاع النهر ـ يا ليل ياعين .
ومن أعظم ماترك لنا ذكريا الحجاوي إلي جانب ذلك كله كتاباً هاماً يحمل اسم " حكاية اليهود " أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة في تسعينيات القرن الماضي ، يبين لنا فيه برؤيته الثاقبة وحسه الفني البديع حقيقة اليهود وقد بذل فيه الحجاوي جهداً خارقاً ، وكان يود أن يردفه بأجزاء أخري ، ولكن العمر لم يمهله وليس كل ما يتمناه المرء يدركه ..
رحل عنا زكريا الحجاوي ولكنه ترك فينا قيماً ومبادئ لا تتجزأ..
رحم الله هذا الفنان الذي أخلص لعمله ..