يقول الكاتب المصري محمد زكي عبدالقادر : (ان التاريخ ذكريات محفوظة والعمر ذكريات مطوية، ومن يلتمس الخلود يجده في التاريخ ولا يجده في العمر، لأنه يمضي ولا يعود) ..
– الولادة والنشأة : ولدّ ناجي طالب بن محمد علي العنزي عام 1917 بمدينة الناصرية في جنوب العراق، من اسرة عربية، من طبقة الاثرياء في المجتمع العراقي آنذاك، والده الحاج طالب بن محمد علي بن محمد صالح من ملاكي الاراضي ورئيس بلدية الناصرية بعد تشكيل الحكم الوطني وقيام المملكة العراقية سنة 1921. واصبح نائبا عن لواء المنتفك في جنوب العراق لعدة دورات برلمانية، ولناجي عدة اشقاء منهم الدكتور الجراح حسين طالب والتاجر الحاج كاظم طالب وحمودي طالب الذي يمتلك اقدم دار للسينما في مدينة الناصرية .
اكمل ناجي طالب دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة الناصرية وبتفوق متوجهاً لإكمال الثانوية المركزية ببغداد ضمن قسمها العلمي وبعد نجاحه بتفوق ايضا كانت رغبة والده ان يكمل دراسة الطب في انكلترا او اوربا ولكن ناجي كان يرغب بتحقيق طمحوه ضمن الكلية العسكرية العراقية .
تزوج ناجي طالب سنة 1948 من امرأة تعمل مدرسة في احدى مدارس بغداد
– حياته العسكرية : التحق بالكلية العسكرية بدورتها السريعة سنة 1937 وتخرج منها سنة 1938 ومنح رتبة ملازم ثانِ ضمن صنف المدفعية في الفرقة الثانية (ل1- ف1) في شمال العراق، وفي سنة 1941 رقيّ الى رتبة ملازم اول، وشارك في دعم موقف حركة مايس1941 التحررية الوطنية، حيث اشتبك مع الجيش البريطاني عند عودته للعراق (الاحتلال الثاني) قرب بغداد وكان امر البطرية المدفعية واصيب على اثرها في منطقة الرأس اصابة طفيفة .
بعد الحرب العالمية الثانية أوّفد مباشرة الى بريطانيا وأكمل دراسته العسكرية في منطقة “وولج” ثم في مديرية المدفعية في ” لاركهل ” سنة 1946، كما كان الاول على دورته في كلية الاركان العراقية ودرس ايضا الاركان في ” كامبرلي ” ببريطانيا سنة 1950 .
وخلال تلك الفترة وفي احد التمارين العسكرية اعجبت به السلطات الملكية وبعد الاطلاع على صفاته من ” ذكاء ولياقة بدنية ووسامة واتقانه للغة الانكليزية ” تم مفاتحته بأن يكون مرافقا لملك العراق، التحق بهذا المنصب لعدة شهور وقدم استقالته لأنه لم يكن مقتنعا، وكانت موافقته محاولة لإرضاء السلطة الملكية ومنعا للإحراج الذي يترتب على الرفض منذ البداية – علما ان هذا المنصب كان يحلم به اي ضابط عسكري ليتقرب من دوائر الحكم آنذاك .
عملً في كلية الاركان العراقية لفترة وكان كفوءاً وله قدرة على التعبئة والقيادة والتنظيم من خلال اعماله في هذا المجال في الجيش العراقي، عيّن ملحقا عسكريا في السفارة العراقية سنة 1954، لكن بعد ان ابعد عن بريطانيا بسبب موقفه الوطني والقومي من علاقة بريطانيا مع اسرائيل ومحاولاتها تجزئة الامة العربية بهذا الكيان الى قطع غير منسجمة، عادّ الى العراق وعمل معلماً ضمن مدرسة الضباط ومديرية التدريب بوزارة الدفاع العراقية حتى العام 1957 .
– حياته السياسية : في سنة 1956 انتمى الى تشكيل الضباط الاحرار السري واختير عضوا للجنة العليا التي اسهمت في اسقاط النظام الملكي، وكان وقتها امر اللواء (15)مشاة في مدينة البصرة بجنوب العراق، وبعد ثورة 14تموز 1958 وقيام الجمهورية العراقية عيّن وزيرا للشؤون الاجتماعية في اول وزارة شكلها عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكالة . فيما بعد قدم استقالته مع عدد من الوزراء – وعرفت في حينها ” استقالة الوزراء القوميين ” في شباط 1959، على نهج وسياسة عبدالكريم قاسم، واستدعّي ناجي طالب بعد فترة للتحقيق، بسبب حركة الشواف ” انتفاضة الموصل” 1959ولكنه قدم رسالته الشخصية الى رئيس الوزراء يعلن عدم معرفته بما حدث وليس له علاقة بالأمر . واطلق سراحه على الفور . وكان هذا اهم حدث في بداية حياته السياسية . ونشير هنا نقلا عن خليل ابراهيم حسين في موسوعته – العراق في الوثائق البريطانية، جزء4، ص34 (وثيقة وزارة الخارجية f.o371\140920 السفارة البريطانية في بغداد 15تموز1959 – عزيزي روجر ” لست واثقا من ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية قد وصل الى انكلترا، حيث ان الروايات بهذا الخصوص متضاربة، فاذا كان موجودا الان في انكلترا فانه يحتاج الى رعاية خاصة، حيث انه حساس ومعارض قوي للنظام السابق، وانه لايزال على غير وفاق مع قاسم، وذلك لان قاسم يشك فيه ويرى بان له علاقة بمؤامرة الموصل …”) انتهى .
بعد قيام حركة 8شباط 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ضد حكم عبدالكريم قاسم تم اختياره ضمن التشكيلة الوزارية كوزير للصناعة وبعد حركة 18تشرين الثاني 1963 بقيادة الرئيس الراحل عبدالسلام عارف تم اختياره وزيرا للخارجية، واصبح في اهم منصب سيادي وهو عضو في مجلس الرئاسة المشترك مع القاهرة وفي فترة حكم الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف اصبح رئيسا للوزراء 1966-1967، علما انه كان مرشحا لرئاسة الجمهورية العراقية بعد مصرع الرئيس عبدالسلام عارف في حادثة الطائرة بجنوب العراق عام 1966 .
ورحبت الصحافة العربية ذات التوجهات القومية بالوزارة الجديدة، ونقلا عن كتاب تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968، ج9،ط1، 2004، ص146: ” وصفت مجلة الحوادث البيروتية ناجي طالب بأنه ثوري اثبتت التجارب الماضية، ان حسه القومي اجتاز كل الحواجز، وبقي يمثل ثورة 14تموز اصدق تمثيل .. لقد بقي ناجي طالب يمثل فعلا الصورة المثالية لثورة 14تموز، الثورة التي قامت لتحطم حلف بغداد وتسير بالعراق في طريق الحرية والوحدة “، وقالت مجلة روز اليوسف القاهرية ” ناجي طالب احد من الذين وقفوا ضد الانحراف خلال العهد القاسمي وقدم استقالته من حكومة قاسم في عام 1959، ورغم عدم انتمائه الى ايّ فئةِ او تكتل فانه يحصل على تأييد الغالبية العظمى من هذه القوى “، واشارت مجلة الحرية البيروتية ” الى ان ناجي طالب قد شكل وزارته من العناصر القومية المستقلة دون ان يشرك فيها ممثلين عن الحركات الشعبية، او عن القوى الاساسية في الجيش، ويبدو ان الظروف المتوترة التي تشكلت اثناءها الوزارة والقضايا المعلقة التي لم تحل بعد، كانت وراء تأليف الوزارة بالشكل الذي جاءت عليه ” . كان ناجي طالب مؤمنا عند تسلمه قيادة الوزارة بالحل الديمقراطي للحكم والانتخابات ومعالجة قضايا النفط ومسالة حرب الشمال ” العلاقة مع الكرد” باعتبارهم جزء من ابناء الوطن الواحد ووحدة الصف العراقي .
وعلى الصعيد العربي ارتبط بعلاقات مع شخصيات عسكرية وسياسية كان من اهمها مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة شخصية منذ اول زيارة للوفد العراقي بعد الثورة في ايلول 1958 .
وللحقيقة وللتاريخ كان ناجي طالب محط اعجاب من قبل الجميع على مختلف المستويات والاتجاهات فقد وصفته وثائق وزارة الخارجية البريطانية ” بانه شخصية قوية وحساسة ومعادي للنظام السابق وذكي ويتسم بالحكمة والصمت …